الأحد، 23 نوفمبر 2014

الباب السادس الفصل الخامس: في التبختر في الثياب والتواضع فيها والترقيع لها والاقتصاد فيها ولبس الخشن

الفصل الخامس
في التبختر في الثياب والتواضع فيها والترقيع لها والاقتصاد فيها ولبس الخشن
(في التبختر في الثياب)
عن عبد الله بن هلال قال: أمرني أبو عبد الله (عليه السلام) أن أشتري له إزارا، فقلت: إني لست أصيب إلا واسعا، قال: اقطع منه وكفه، ثم قال: إن أبي قال: ما جاوز الكعبين ففي النار.
عن عبد الله بن هلال، عنه (عليه السلام) ذكر مثله وقال: ما جاوز الكعبين من الثوب ففي النار.
أبوإسحاق السبيعي (1) رفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إتزر إلى نصف الساق أو إلى الكعبين وإياك وإسبال الازار، فإن إسبال الازار من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة قال: إن الاسبال في الازار والقميص والعمامة، [ وقال ]: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة.
ومن كتاب زهد أمير المؤمنين (عليه السلام) عن أبي مطر قال: إن عليا (عليه السلام) مر بي يوما ومعي ابن عم لي، قال: فضربني بقضيب معه أو بدرة وقال: إرفع ثوبك وإزارك لا تأكله الارض، فقال ابن عمي: من ذا الذي يضرب ابن عمي ؟ قال: فقال: علي (عليه السلام): إنما أقول ارفع ثوبك وإزارك لا تأكله الارض، ثم قال (عليه السلام) لقنبر: ألا تمنعني كما يمنع هذا ابن عمه.
عن جابر، [ عن أبي جعفر (عليه السلام) ] قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن ريح الجنة ليوجد من مسيرة ألف عام ولا يجدها جار إزاره خيلاء، إنما الكبرياء لله رب العالمين.
ـــــــــــــــ
(1) هو عمرو بن عبد الله بن علي الكوفي الهمداني، إبن اخت يزيد بن الحصين الهمداني، من أصحاب الحسين (عليه السلام)، ممن شهد الطف وقتل. وكان أبوإسحاق من أعيان وثقاة علي بن الحسين (عليه السلام) وعاش تسعون سنة، ونقل عنه أنه قال: رفعني أبي حتى رأيت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يخطب وهو أبيض الرأس واللحية، إلى آخر الحديث.
[ 109 ]
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله يبغض الثاني عطفه والمسبل إزاره والمنفق سلعته بالايمان (1).
وعنه، عن أبيه عليهما السلام قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المرخي ذيله من العظمة، والمزكي سلعته بالكذب، ورجل استقبلك بنور صدره [ فيواري ] وقلبه ممتلئ غشا (2).
وعنه عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إذا تصامت أمتي عن سائلها وأرخت شعورها ومشت تبخترا، حلف ربي بعزته لاذعرن بعضهم ببعض (3).
وعنه، عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من مشى على الارض اختيالا لعنته الارض من تحته.
عن بشير النبال قال: إنا لفي المسجد مع أبي جعفر (عليه السلام) إذ مر علينا أسود عليه حلتان متزر بواحدة مترد بالاخرى وهو يتبختر في مشيته، فقال لي أبوجعفر (عليه السلام): إنه جبار، قلت: جعلت فداك إنه سائل، قال: إنه جبار.
من جملة ما وصى به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لابي ذر رضي الله عنه: يا أباذر إن أكثر من يدخل النار المستكبرون ـ فقال رجل: هل ينجو من الكبر أحد يا رسول الله ؟ قال: نعم، من لبس الصوف وركب الحمار وحلب العنز وجالس المساكين ـ يا أباذر: من حمل بضاعته فقد برئ من الكبر ـ يعني ما يشترى من السوق ـ . يا أباذر: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة. يا أباذر: إزرة الرجل إلى أنصاف ساقيه، لا جناح عليه فيما بينه وبين كعبيه، فما أسفل منه في النار. يا أباذر: من رفع ثوبه لوجه الله تعالى فقد برئ من الكبر.
ـــــــــــــــ
(1) أسبل الستر:، أرخاه. وأنفق ماله أي أنفده وأفناه. والسلعة: المتاع.
(2) الغش ـ بالكسر ـ : اسم من الغش ـ بالفتح ـ بمعنى الغل والحقد.
(3) تصام عن الحديث: تظاهر أنه أصم. وفي بعض النسخ " تضامت " بالضاد المعجمة. يقال: تضام الشئ: جمعه إلى نفسه. وشعور: جمع شعر. والذعر، بالفتح: الخوف والدهشة.
[ 110 ]
(في التواضع في الثياب)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن علي بن الحسين (عليه السلام) خرج في ثياب حسان فرجع مسرعا يقول: يا جارية ردي علي ثيابي فقد مشيت في ثيابي هذه فكأني لست علي بن الحسين. وكان إذامشى كأن الطير على رأسه لا يسبق يمينه شماله.
وعنه (عليه السلام) قال: إن الجسد إذا لبس الثوب اللين طغى.
عن الحسن الصيقل قال: أخرج إلينا أبو عبد الله (عليه السلام) قميص أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي أصيب فيه، فشبرت أسفله اثني عشر شبرا وبدنه ثلاثة أشبار ويديه ثلاثة أشبار (1).
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن صاحبكم ليشتري القميصين السنبلانيين، ثم يخير غلامه فيأخذ أيهما شاء، ثم يلبس هو الاخر، فإذا جاوز أصابعه قطعه وإذا جاوز كفيه حذفه (2).
عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن عليا أمير المؤمنين (عليه السلام) اشترى بالعراق قميصا سنبلانيا غليظا بأربعة دراهم، فقطع كميه إلى حيث يبلغ أصابعه مشمرا إلى نصف ساقه، فلما لبسه حمدالله وأثنى عليه وقال: ألا أريكم ؟ قلت: بلى. فدعاه به، فإذا كميه ثلاثة أشبار وبدنه ثلاثة أشبار وطوله ستة أشبار.
من كتاب زهد أمير المؤمنين (عليه السلام)، عن الاصبغ بن نباتة قال: خرجنا مع علي (عليه السلام) حتى أتينا التمارين، فقال: لا تنصبوا قوصرة على قوصرة، ثم مضى حتى أتينا إلى اللحامين، فقال: لا تنكوا في اللحم، ثم مضى [ حتى أتى ] إلى سوق السمك، فقال: لا تبيعوا الجري ولا المارماهي ولا الطافي (3)، ثم مضى حتى أتى
ـــــــــــــــ
(1) الشبر (بالكسر): مابين طرفي الابهام والخنضر ممتدين، جمعة: أشبار. والراوي هو أبومحمد حسن بن زياد العطار الكوفي، المعروف بالصيقل، من أصحاب محمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق عليهما السلام، حسن وله كتاب.
(2) سنبلاني: منسوب إلى بلدة بالروم، في اللغة: سنبلان وسنبل بلدان بالروم بينهما عشرون فرسخا. وفي بعض النسخ " فإذا جاز أصابعه قطعه وإذا جاز كفيه جذبه ".
(3) الجري كذمي: سمك طويل أملس وليس له عظم إلا عظم الرأس والسلسلة، المعروف بالحنكليس. والطافي: السمك الذي يموت في الماء فيعلو ويظهر فوق الماء.
[ 111 ]
البزازين فساوم رجلا بثوبين ومعه قنبر، فقال: بعني ثوبين، فقال الرجل: ما عندي يا أمير المؤمنين، فانصرف حتى أتى غلاما، فقال: بعني ثوبين، فماكسه الغلام حتى اتفقا على سبعة دراهم، ثوب بأربعة دراهم وثوب بثلاثة دراهم، فقال لغلامه قنبر: إختر أحد الثوبين، فاختار الذي بأربعة ولبس هو الذي بثلاثة وقال: " الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في خلقه "، ثم أتى المسجد الاكبر فكومه كومة من حصباء (1)، فاستلقى عليه فجاء أبوالغلام فقال: إن ابني لم يعرفك وهذان درهمان ربحهما عليك فخذهما، فقال علي (عليه السلام): ما كنت لافعل، ماكسته وماكسني واتفقنا على رضى.
عن أبي مسعدة قال: رأيت عليا (عليه السلام) خرج من القصر، فدنوت منه فسلمت عليه، فوقع يده على يدي، ثم مشى حتى أتى إلى دار فرات، فاشترى منه قميصا سنبلانيا بثلاثة دراهم أو أربعة دراهم، فلبسه وكان كمه كفاف يده (2).
عن وشيكة (3) قال: رأيت عليا (عليه السلام) يتزر فوق سرته ويرفع إزاره إلى أنصاف ساقيه وبيده درة يدور في السوق يقول: " إتقوا الله وأوفوا الكيل " كأنه معلم صبيان.
عن مجمع قال: إن عليا (عليه السلام) أخرج سيفه فقال: من يرتهن سيفي ؟ أما لو كان لي قميص ما رهنته، فرهنه بثلاثة دراهم، فاشترى قميصا سنبلانيا كمه إلى نصف ذراعيه وطوله إلى نصف ساقيه.
عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: رأيت على علي (عليه السلام) قميصا زابيا (4) إذا مد طرف كمه بلغ ظفره وإذا أرسله كان إلى ساعده.
عن أبي الاشعث العبري، عن أبيه قال: رأيت عليا (عليه السلام) اغتسل في
ـــــــــــــــ
(1) الكومة: القطعة المجتمعة المرتفعة من التراب وغيره.
(2) الكفاف بالفتح الذي لا يفضل عن الشئ ويكون بقدره.
(3) بفتح الواو وكسر الشين المعجمة: الظاهر أنه أيوب بن وشيكة من أصحاب الباقر (عليه السلام).
(4) الزابي: منسوب إلى الزاب، في القاموس: الزاب بلد بالاندلس او كورة ونهر بالموصل ونهر باربل ونهر بين سوراء وواسط ونهر آخر بقربه وعلى كل واحد منهما كورة.
[ 112 ]
الفرات يوم الجمعة، ثم ابتاع قميص كرابيس بثلاثة دراهم، فصلى بالناس فيه الجمعة وما خيط جربانه (1).
عن سالم بن مكرم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن عليا (عليه السلام) كان عندكم فأتى بني ديوار، فاشترى ثلاثة أثواب بدينار، القميص إلى فوق الكعب والازار إلى نصف الساق والرداء من قدامه إلى ثدييه ومن خلفه إلى إليتيه، فلبسها، ثم رفع يده إلى السماء، فلم يزل يحمد الله على ما كساه حتى دخل منزله. ثم قال: هذا اللباس الذي ينبغي أن تلبسوه ولكن لا نقدر أن نلبس هذا اليوم لو فعلنا لقالوا: مجنون أو لقالوا: مراء، فإذا قام قائمنا كان هذا اللباس.
عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إذا هبطتم وادي مكة فالبسوا خلقان ثيابكم أو سمل ثيابكم أو خشن ثيابكم، فإنه لن يهبط وادي مكة أحد ليس في قلبه شئ من الكبر إلا غفر الله له، قال: فقال عبد الله بن أبي يعفور: ما حد الكبر ؟ قال: الرجل ينظر إلى نفسه إذا لبس الثوب الحسن يشتهي أن يرى عليه، ثم قال: " بل الانسان على نفسه بصيرة " (2).
عن ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان لابي ثوبان خشنان يصلي فيهما صلاته، فإذا أراد أن يسأل الله الحاجة لبسهما وسأل الله حاجته.
(في ترقيع الثياب)
عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خطب علي (عليه السلام) الناس وعليه إزار كرباس غليظ، مرقوع بصوف، فقيل له في ذلك، فقال: يخشع له القلب ويقتدي به المؤمن.
عن عبد الله بن عباس لما رجع من البصرة وحمل لمال ودخل الكوفة وجد أمير المؤمنين (عليه السلام) قائما في السوق وهو ينادي بنفسه: معاشر الناس من أصبناه بعد
ـــــــــــــــ
(1) الجربان، بضم الاول والثاني أو بكسرهما وتشديد الباء: من القميص: جيبه وطوقه.
(2) سورة القيامة: آية 14.
[ 113 ]
يومنا هذا يبيع الجري والطافي والمارماهي علوناه بدرتنا هذه ـ وكان يقال لدرته: السبتية ـ . قال ابن عباس: فسلمت عليه فرد علي السلام، ثم قال: يا ابن عباس ما فعل المال ؟ فقلت ها هو يا أمير المؤمنين وحملته إليه فقربني ورحب بي، ثم أتاه مناد ومعه سيفه ينادي عليه بسبعة دراهم، فقال: لو كان لي في بيت مال المسلمين ثمن سواك أراك ما بعته، فباعه واشترى قميصا بأربعة دراهم له وتصدق بدرهمين وأضافني بدرهم ثلاثة أيام.
عن يزيد بن شريك قال: أخرج علي (عليه السلام) ذات يوم سيفه فقال: من يبتاع مني سيفي هذا، فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته.
عن الفضل بن كثير قال: رأيت على أبي عبد الله (عليه السلام) ثوبا خلقا مرقوعا، فنظرت إليه، فقال لي: ما لك ؟ انظر في ذلك الكتاب ـ وثم كتاب ـ ، فنظرت فيه فإذا فيه " لا جديد لمن لا خلق له ".
وفي رواية: رؤي على علي (عليه السلام) إزار خلق مرقوع، فقيل له: في ذلك، فقال: يخشع له القلب وتذل به النفس ويقتدي به المؤمنون.
(في الاقتصاد في اللباس)
عن معاوية بن وهب قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): الرجل يكون قد غنى دهره وله مال وهيئة في لباسه ونخوة، ثم يذهب ماله ويتغير حاله، فيكره أن يشمت به عدو، فيتكلف ما يتهيؤ به، فقال: " لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله " (1) على قدر حاله.
(في لبس الصوف والخشن)
عن محمد بن كثير قال: رأيت على أبي عبد الله (عليه السلام) جبة صوف بين قميصين غليظين، فقلت له في ذلك، فقال: رأيت أبي يلبسها، وإنا إذا أردنا أن نصلي لبسنا أخشن ثيابنا.
ـــــــــــــــ
(1) الشماتة: السرور ببلية الاعداء، يقال: شمت به ـ بالكسر ـ : إذا فرح بمصيبته. والاية في سورة الطلاق، آية 7.
[ 114 ]
عن معمر بن خلاد قال: سمعت أباالحسن الرضا (عليه السلام) يقول: والله لئن صرت إلى هذا الامر (1) لاكلن الخبيث بعد الطيب ولالبسن الخشن بعد اللين ولاتعبن بعد الدعة. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصيته لابي ذر رضي الله عنه: يا أباذر إني ألبس الغليظ وأجلس على الارض وألعق أصابعي وأركب الحمار بغير سرج وأردف خلفي، فمن رغب عن سنتي فليس مني. يا أباذر البس الخشن من اللباس والصفيق من الثياب (2) لئلا يجد الفخر فيك مسلكا.
من أمالي الشيخ أبي جعفر بن بابويه رحمه الله، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): خمس لا أدعهن حتى الممات: الاكل على الحضيض مع العبيد وركوبي الحمار مؤكفا وغير مؤكف (3) وحلبي العنز بيدي ولبس الصوف والتسليم على الصبيان، لتكون سنة من بعدي.
من كتاب الفردوس قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): البسوا الصوف وكلوا في أنصاف البطون فإنه جزء من النبوة.
وقال أيضا: البسوا الصوف وشمروا وكلوا في أنصاف البطون تدخلوا في ملكوت السماوات.
من كتاب المحاسن، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ذكر له أن راهبا قال في لباس الشعر: هو أشبه بلباس المصيبة، فقال: وأي مصيبة أعظم من مصائب الدين ؟ !
من كتاب الفردوس قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): عليكم بلباس الصوف تجدوا حلاوة الايمان، وقلة الاكل تعرفوا في الاخرة. وإن النظر إلى الصوف يورث التفكر والتفكر يورث الحكمة والحكمة تجري في أجوافكم مثل الدم.
ـــــــــــــــ
(1) أي أمر الخلافة والسلطنة. والدعة ـ بفتحتين ـ : الراحة وخفض العيش، والهاء عوض الواو.
(2) صفيق اللباس: خلاف السخيف أي ما كثف نسجه، من سخف وزان قرب: رق لقلة غزله.
(3) الحضيض: قرار الارض. الاكاف والوكاف: البردعة، وهي كساء يلقى على ظهر الدابة.
[ 115 ]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق