الاثنين، 8 ديسمبر 2014

الباب التاسع الفصل الرابع في مكارم الأخلاق في السفر

الفصل الرابع
(في مكارم الاخلاق في السفر وحسن الصحبة ومراقبة الحقوق وطلب الرفقة)
عن أبي ربيع الشامي (1) قال: كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) والبيت غاص بأهله، فقال (عليه السلام): ليس منا من لم يحسن صحبة من صحبه ومرافقة من رافقه وممالحة من مالحه (2) ومخالقة من خالقه.
عنه (عليه السلام) قال: كان أبي يقول: ما يعبأ بمن يؤم هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال: خلق يخالق به من صحبه، وحلم يملك به غضبه، ووزع يحجزه عن محارم الله تعالى.
وعنه (عليه السلام) قال: ليس من المروة أن يحدث الرجل بما يلقى في السفر من خير أو شر.
عن عمار بن مروان قال: أوصاني أبو عبد الله (عليه السلام) فقال: أوصيك بتقوى الله وأداء الامانة وصدق الحديث وحسن الصحبة لمن صحبك ولا قوة إلا بالله.
عن أبي بصير قال: قلت للصادق (عليه السلام): يخرج الرجل مع قوم مياسير وهو أقلهم شيئا فيخرجون النفقة ولا يقدر هو أن يخرج مثل ما أخرجوا ؟ قال: ما أحب أن يذل نفسه، ليخرج مع من هو مثله.
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من خالطت فإن استطعت أن تكون يدك العليا (3) عليه فافعل.
ـــــــــــــــ
(1) هو خالد أو خليد بن أوفى العنزي من أصحاب الصادق (عليه السلام)، له كتاب.
(2) مالحه: أكل معه، والممالحة: المؤاكلة. وخالقه: عاشره بخلق حسن.
(3) اليد العليا: المعطية والمتعففة. واليد السفلى: المانعة والسائلة.
[ 250 ]
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: الرفيق ثم السفر.
وقال (عليه السلام): ما اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجرا وأحبهما إلى الله عزوجل أرفقهما بصاحبه.
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تصحبن في سفرك من لا يرى لك من الفضل عليه كما ترى له عليك.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من السنة إذا خرج القوم في سفر أن يخرجوا نفقتهم، فإن ذلك أطيب لانفسهم وأحسن لاخلاقهم.
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إصحب من تتزين به ولا تصحب من يتزين بك.
وعنه (عليه السلام) قال: البائت في البيت وحده شيطان والاثنان أمة والثلاثة أنس.
عن شهاب بن عبد ربه قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): قد عرفت حالي وسعة يدي وتوسعي على إخواني فأصحب النفر منهم في طريق مكة فأوسع عليهم، قال: لا تفعل يا شهاب، فإنك إن بسطت وبسطوا أجحفت بهم، وإن هم أمسكوا أذللتهم. فاصحب نظراءك.
قال أبو جعفر (عليه السلام): إذا صحبت فاصحب نحوك ولا تصحبن من يكفيك، فإن ذلك مذلة للمؤمن.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أحب الصحابة إلى الله عزوجل أربعة، وما زاد قوم على سبعة إلا كثر لغطهم.
قال الصادق (عليه السلام): حق المسافر أن يقيم عليه إخوانه إذا مرض ثلاثا.
عنه (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما من نفقة أحب إلى الله عزوجل من نفقة قصد، وإن الله يبغض الاسراف إلا في حج أو عمرة.
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) في سفر خرج حاجا: من كان سيئ الخلق والجوار فلا يصحبنا.
عن الحلبي قال: سألت الصادق (عليه السلام) عن القوم يصطحبون فيكون فيهم الموسر وغيره، أينفق عليهم الموسر ؟ قال: إن طابت بذلك أنفسهم.
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): سيد القوم خادمهم في السفر.
ومن كتاب شرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، روى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه أمر أصحابه بذبح
[ 251 ]
شاة في سفر، فقال رجل من القوم: علي ذبحها، وقال الاخر: علي سلخها، وقال الاخر: علي قطعها، وقال الاخر: علي طبخها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): علي أن ألقط لكم الحطب، فقالوا: يا رسول الله لا تتعبن ـ بآبائنا وأمهاتنا أنت ـ نحن نكفيك، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): عرفت أنكم تكفوني ولكن الله عز وجل يكره من عبده إذا كان مع أصحابه أن ينفرد من بينهم، فقام (صلى الله عليه وآله وسلم) يلقط الحطب لهم.
(في آداب المسافر)
كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا سافر يصحب مع نفسه المشط والسواك والمكحلة.
عن حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لقمان لابنه: إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك وامورهم. وأكثر التبسم في وجوههم. وكن كريما على زادك بينهم. وإذا دعوك فأجبهم. وإذا استعانوا بك فأعنهم. واستعمل طول الصمت وكثرة الصلاة وسخاء النفس بما معك من دابة أو ماء أو زاد. وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم وأجهد رأيك لهم إذا استشاروك ثم لا تعزم حتى تتثبت وتنظر. ولا تجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلي وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك في مشورتك، فإن من لم يمحض النصيحة لمن استشاره سلبه الله رأيه ونزع عنه الامانة. وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم. وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم. وإذا تصدقوا وأعطوا قرضا فاعط معهم. واسمع لمن هو أكبر منك سنا. وإذا أمروك بأمر أو سألوك شيئا فقل: نعم، ولا تقل: لا، فإن لا عي ولؤم (1). وإذا تحيرتم في الطريق فانزلوا. وإذا شككتم في القصد فقفوا وتآمروا. وإذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدوه، فإن الشخص الواحد في الفلاة مريب لعله يكون عين اللصوص أو يكون هو الشيطان الذي حيركم، واحذروا الشخصين أيضا إلا أن تروا ما لا أرى، فإن العاقل إذا أبصر بعينه شيئا عرف الحق منه والشاهد يرى ما لا يرى الغائب. يا بني: إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشئ وصلها واسترخ منها فإنها دين، وصل في جماعة ولو على رأس زج (2). ولا تنامن
ـــــــــــــــ
(1) العي: العجز في الكلام. وفي بعض النسخ " الغي " أي الخيبة والضلالة. وفي بعضها " عمى ".
(2) الزج ـ بالضم ـ : نصل السهم والحديدة التي في أسفل الرمح ويقابله السنان.
[ 252 ]
على دابتك، فإن ذلك يسرع في دبرها وليس ذلك من فعل الحكماء إلا أن تكون في محمل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل. فإذا قربت من المنزل فانزل عن دابتك وابدأ بعلفها قبل نفسك فإنها نفسك. وإذا أردتم النزول فعليكم من بقاع الارض بأحسنها لونا وألينها تربة وأكثرها عشبة. وإذا نزلت فصل ركعتين قبل أن تجلس. فإذا أردت قضاء حاجتك فابعد المذهب في الارض. وإذا ارتحلت فصل ركعتين ثم ودع الارض التي حللت بها وسلم عليها وعلى أهلها، فإن لكل بقعة أهلا من الملائكة. وإن استطعت أن لا تأكل طعاما حتى تبدأ فتتصدق منه فافعل. وعليك بقراءة كتاب الله عزوجل ما دمت راكبا. وعليك بالتسبيح ما دمت عاملا عملا. وعليك بالدعاء ما دمت خاليا. وإياك والسير من أول الليل إلى آخره. وإياك ورفع الصوت في مسيرك.
(في بذل الزاد والمروة في السفر)
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من شرف الرجل أن يطيب زاده إذا خرج في سفره. وكان علي بن الحسين عليهما السلام إذا سافر إلى مكة للحج أو للعمرة تزود من أطيب الزاد من اللوز والسكر والسويق المحمص والمحلا.
من المحاسن قال الصادق (عليه السلام): ليس من المروة أن يحدث الرجل بما يلقى في سفره من خير أو شر.
عنه (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من شرف الرجل أن يطيب زاده إذا خرج في سفره.
وروي أنه قام أبوذر رضي الله عنه عند الكعبة فقال: أنا جندب بن السكن فاكتنفه الناس، فقال: لو أن أحدكم أراد سفرا لا تتخذ فيه من الزاد ما يصلحه، فسفر يوم القيامة أما تزودون فيه ما يصلحكم، فقام إليه رجل فقال: أرشدنا ؟ فقال: صم يوما شديد الحر للنشور. وحج حجة لعظائم الامور. وصل ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور، كلمة خير تقولها وكلمة شر تسكت عنها أو صدقة منك على مسكين لعلك تنجوا يا مسكين من يوم عسير. اجعل الدنيا درهمين درهما أنفقته على عيالك، ودرهما قدمته لاخرتك والثالث يضر ولا ينفع لا ترده. اجعل الدنيا كلمتين: كلمة
ـــــــــــــــ
(1) حمص السويق: خمسه وقلاه. وحلى الشئ: صيره حلوا.
[ 253 ]
في طلب الحلال وكلمة للاخرة والثالثة تضر ولا تنفع لا تردها، ثم قال: قتلني هم يوم لا أدركه.
وقال لقمان لابنه: يا بني إن الدنيا بحر عميق وقد هلك فيها عالم كثير، فاجعل سفينتك فيها الايمان بالله عزوجل واجعل شراعها التوكل على الله واجعل زادك فيها تقوى الله، فإن نجوت فبرحمة الله وإن هلكت فبذنوبك. يا بني سافر بسيفك وخفك وعمامتك وحبالك وسقائك وخيوطك ومخرزك، وتزود معك من الادوية ما تنتفع به أنت ومن معك. وكن لاصحابك موافقا إلا في معصية الله عزوجل. وفي رواية بعضهم: وقوسك وفرشك.
عن الصادق (عليه السلام): سئل عن أمر الفتوة ؟ فقال: تظنون أن الفتوة بالفسق والفجور وإنما الفتوة والمروة طعام موضوع ونائل مبذول وبشر معروف وأذى مكفوف، فأما تلك فشطارة وفسق (1)، ثم قال (عليه السلام): ما المروة ؟ فقال الناس: لا نعلم، قال (عليه السلام): ليس المروة والله أن يضع الرجل خوانه بفناء داره والمروة مروتان: مروة في الحضر ومروة في السفر، فأما التي في الحضر فتلاوة القرآن ولزوم المساجد والمشي مع الاخوان في الحوائج والنعمة ترى على الخادم، فإنها تسر الصديق وتكبت العدو. وأما التي في السفر فكثرة الزاد وطيبه وبذله لمن كان معك وكتمانك على القوم أمرهم بعد مفارقتك إياهم وكثرة المزاح في غير ما يسخط الله عز وجل، ثم قال: والذي بعث جدي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحق إن الله عزوجل ليرزق العبد على قدر المروة، فإن المعونة تنزل على قدر المؤنة وإن الصبر ينزل على قدر شدة البلاء.
ـــــــــــــــ
(1) شطر بصره شطورا: صار كأنه ينظر إليك وألي آخر. وشطر فلان على أهله: ترك موافقتهم وأعياهم لؤما وخبثا. وشطر شطارة: اتصف بالدهاء والخبث. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق